السبت، 11 ديسمبر 2010

الليبرالية والديمقراطية وتعقيب على د. غليون


الليبرالية والديمقراطية مرة أخرى تعقيب على مقال د. برهان غليون - تحرير الديمقراطية من الليبرالية شرط تعميمها

تعقيب على مقال د. برهان غليون ( تحرير الديمقراطية من الليبرالية شرط تعميمها)
رغم مطالعاتي الكثيرة ، ورغم انخراطي المديد في العمل السياسي ، لكنني لا أدعي أنني درست العلوم السياسية بشكل منهجي ، وعلى هذا أتمنى على الدكتور برهان غليون الذي تعلمنا منه الكثير ونكن له المودة ، أن يوضح لنا مرة أخرى ، فأنا فعلاً لم افهم كيف يكون تحرير الديمقراطية من الليبرالية شرطاً لتعميمها ، وذلك للإشكالات التالية التي تجول في تفكيري :
1- شيء يختص في العلاقة بين الفلسفة وبين السياسة .. الليبرالية فلسفة نعم ، لكن الديمقراطية نظام سياسي بني أساساً على هذه الفلسفة ، لا حظ أن الفلسفات الأخرى كلها أنتجت الشمولية والنمط الوحيد الأوحد من الحقيقة ، إن كانت دينية أو قومية أو اشتراكية ( اجتماعية ) ، وأنتجت نمطا غير تعددي غير تداولي من السلطات بحكم تكوينها ( وبنصوص فلاسفتها ) وليس بسبب التطبيق الخاطئ كما يبرر البعض ( نذكر كأمثلة النمط الفاشي - النازي من القومية ، و ديكتاتورية البروليتاريا ، والعنف الطبقي الثوري المحرك للتاريخ ، و أنظمة من بدل دينه فاقتلوه ، ومن ترك الصلاة فطوعوه )
اعتقد أنه عندما تتحول الفلسفة لقناعة عند البشر تصبح مكوناً أساسياً من الثقافة ، فهل يعقل أن تفرض الثقافة بالقوة ، أم هي ناتج طبيعي عفوي عن الانخراط في نمط معين من الحياة في ظروف وشروط محددة ، وهل يمكن ازدهار الثقافة ذاتها بدون الحرية ، وهل يعقل لفلسفات غير تحررية أن تنتج نظاما سياسيا تعدديا وحرا ، وإذا حدث هذا هل يعني أن الثقافة تنتج نقيضها في السياسة ، وهل هذا يعني أن السياسة هي نقيض الثقافة ، أي أن السياسة هي حتماً قمع وإكراه وتضاد مع الثقافة ، وبالتالي تكون الديمقراطية القادمة قمعية تعاكس الثقافة وتحاول تغييرها ، أم ستبقى قمعية تعبر عن الثقافة القمعية السائدة كما هو عليه الحال اليوم .... ؟ هل نحن بحاجة لفلسفات شمولية من أجل توليد الديمقراطية ، أم نحن بحاجة لفلسفة الحرية لكي نزيل أسس إعادة إنتاج الديكتاتورية ، أم بحاجة ( لتحرير الديمقراطية من الليبرالية ؟؟؟!!! )، أي بالضبط أن نأتي بديمقراطية مستوردة من الخارج ومحروسة بجيوش الاحتلال لأننا لا نستطيع أن ننتجها ؟؟ ، هل هذا ما تقترحه علينا !! ، أم الأصح أن نسعى لنشر وتعزيز قيم الحرية ، التي لا بد أن تبدأ من الفرد الحر المستقل صاحب السيادة التي لا تفوض ، في الطريق نحو إنتاج الديمقراطية ، هل نحن بحاجة لثقافة الحرية في مواجهة ثقافات الأسر والقيود والتستر والستر والخوف الفيزيائي والميتافيزيائي ، و التي تدمر كيان الإنسان وتحوله إلى كائن يخاف أن يفكر وأن يقول وأن يعبر ، وينخرط في مسرحية اجتماعية سياسية كاذبة ، أساسها النفاق والتظاهر , يمثل فيها دوراً لم يرض عنه ولم يقتنع به ولم يؤمن به في أي يوم من الأيام ... أليس هذا هو سبب انحطاط المناطق العربية والإسلامية ، أقصد بنية الفرد المتناقضة و عقله المكبل ورغباته المكبوتة ، بسبب الارتهان لنمط متجمد من الشكليات و القيم التي لا تراعي المنطق ولا الغاية ، وتبقى أسيرة الشكل حتى لو غاب عنها المضمون ( هل هذه هي الأخلاق والقيم التي تريدنا الحفاظ عليها ؟؟؟ ) . هل تقدر كم هو حجم الكذب الذي نمارس في كل مناحي حياتنا ، كل شيء عندنا كاذب من إمام المسجد والسلطان إلى اصغر مصلي ومصفق ، شكلنا كاذب تفكيرنا كاذب ، الكذب صفة أساسية ومكون أساسي من مكونات الثقافة القمعية السائدة . كل ما نؤمن به ونشعر به في خفايا نفسنا يعتبر بمثابة فضيحة بنظر السائد الاجتماعي .. على الإنسان أن يخفي حقيقته ويرتدي ما يريده السلطان والفقيه والآخر ، و ينبطح وينحي ويركع ليس لله الحق الذي وهبه الحرية ، بل للسلطان والمطوع الذي يحمل السوط ، هل نحن بعد هذا بحاجة للحرية ، وأي حرية سوف تبني على فلسفة شمولية استئصاليه نمطية متجمدة ؟؟ .
أم أن الحرية شيء والليبرالية شيء آخر ، هل هما شيئين مختلفين ، هل نحن نعمم نموذج تطبيقي محدد سمى نفسه ليبرالياً ، وهو قد يكون غير موفق باسمه ، لكي نتهم الفلسفة الليبرالية بأنها تحللا من القيم والهوية ، وهل أي نمط تطبيقي أيديولوجي يخص جماعة سياسية اقتصادية محددة في مكان محدد يحصر فهم وتطبيق الليبرالية بمنظومة قانونية اقتصادية تتحدد بحدود مصالحها الخاصة ، يكفي لتقييم الليبرالية ؟ أم نحن نتحدث عن مفهوم سياسي فلسفي واسع يشمل طريقة في التفكير والتعامل والاجتماع والإنتاج والسياسة ؟؟
يقومون باقتطاع أهم ما في الفلسفة الليبرالية من قيم الحرية والسيادة ، بعد فصلها عن جذورها المعرفية والفلسفية ، ثم يضمونها إلى الديمقراطية التي هي نظام حكم وليست فلسفة ، لكي تبقى الليبرالية مجرد منظومة تحرر من كل قيمة إنسانية وجماعية ، و رديفة للتحلل الاجتماعي و الأخلاقي ، فتصبح الديمقراطية ( فلسفة ونظام وطريقة حياة ونهج ومعرفة )، وتصبح الليبرالية دعوة للتوحش ، في مواجهة الاشتراكية ( الاجتماعوية ) كحل مثالي مطابق للديمقراطية الشعبية ومنسجم معها ، وهذه كما هو واضح محاولة أيديولوجية قديمة عانينا منها كثيراً ، تحاول الهجوم على النظام الرأسمالي كأصل لكل الشرور في العالم ، وما وراءه من فلسفة الانحطاط والتوحش ( الليبرالية ) ، لتحل محله النظام الشيوعي القيم الخلقي الذي سيكون أكثر ديمقراطية بكثير من ديمقراطية البرجوازية .
2- لذلك أعتقد أن زواج الاجتماعية مع الديمقراطية هو زواج مغفل تم على خيانة الديمقراطية لفلسفتها ( الليبرالية ) ، وإخفاء الاجتماعية لشكلها السياسي الحقيقي ، وهو الديكتاتورية ( الديمقراطية الشعبية ) . فالمسألة بنظري هي : هل هناك علاقة إنتاج اشتراكية أم رأسمالية ، نحن نقول رأسمالية ، لكن هذا لا يعني أن لا تقتطع الدولة حصة من الإنتاج لتغطية نفقات الضمان الاجتماعي ، أي وضع نظام ضريبي فعال وكافي ، ولا يعني وضع القيود على تداول الثروة والتنقل بين الطبقات .
نحن نقول الضمان وليس العدالة ، فالعدالة في الدخل أمر بعيد المنال ، والتفاوت أمر حتمي ، والاستغلال لن ينتف بقرار ولا بنظام ، نقول نظام ضمانات هو في الحقيقة وبحد ذاته ( ثورة ) بالنسبة لما نعانيه في ظل الاشتراكية الشمولية القومجية السائدة . ومهما ارتفع نظام الضمان وعلا ، فهو لن يغير المبدأ القائم على الحرية والملكية الخاصة ، بينما لو غيرنا المبدأ وصارت الملكية عامة ، سوف تنهار الحريات وتتقلص مهما حاولنا صيانتها . هنا الفارق ( هل الملكية العامة هي الأساس ، أم الملكية الخاصة ؟ ، هل حرية الفرد شرط لدخوله الحظيرة الاجتماعية ، أم أن المجتمع يعطي من الحريات ما يستطيع تحمله ، ويسحبها عندما لا يستطيع ؟؟ ) .. حسب تجربتي ومعرفتي ، فقد فشلت الأنظمة الاجتماعوية في إعطاء أي قدر من الحرية ، بل حتى في تحقيق أي قدر من العدالة ، أو التقدم والازدهار ، بل تحولت لنمط رهيب من الأسر والتسلط وعممت الفقر والحرمان والفساد ، وأنتجت ثقافة حقيرة تقوم على الكذب والغدر والسرقة والدعارة والإجرام والتصفية وانحطاط الذوق والفن والأدب .. لم تنتج الاجتماعية أي شكل من أشكال الحضارة ..وإنما على العكس قوضت الوجود الاجتماعي والاقتصادي و القيمي والبيئي ورسخت العبودية للشخص والخنوع للخوف .. هل لديك مثال مختلف عما شاهدناه وخبرناه تطرحه لنا كمثال ؟ . ثم يأتي من يقول أن سبب فشل التجربة الاشتراكية ( الاجتماعوية ) هو غياب الديمقراطية عن نماذجها ، وكأنها نتاج طبيعي لها قد تنكرت له ، وكأن الاشتراكية تستطيع حقا أن تنتج شكلاً ديمقراطياً ، أو أنها فعلت ذلك في يوم ما ....
المسالة أنه هناك من أراد تزويج الديمقراطية للاشتراكية عنوة وبشكل عرفي وبمرسوم تعسفي ، فكان زواجاً ينقصه الحب والإخلاص . ففي أوربا الغربية فشلت الاجتماعوية المزعومة والمرفوعة على الشعار بأن تكون شيئاً آخر غير الرأسمالية ، لأنها تمسكت بالديمقراطية ، وعندما تسلمت الأحزاب الاشتراكية السلطة بشكل ديمقراطي ، لم تفعل أي شيء سوى رفع مستوى الضمانات . فهي إذا لم تكن اجتماعية بل كانت ليبرالية في واقعها وسلوكها وثقافتها ونظامها الديمقراطي ... ولم تقلب أساس العلاقة الاقتصادية القائمة على ( الملكية الخاصة والتنافس الحر والاستغلال ضمناً ) و معاً , وهذه حقيقة نعرفها تماماً لأننا سبق وقرأنا كثيراً كتب ماركس ولينين وبقية منظري العدالة والمساواة ووحدة الطبقات .
3- النقطة الثالثة تتعلق بعلاقة الدين والديمقراطية ، والسؤال هل انتصرت الديمقراطية المسحية وبنت أوربا الحرة الحديثة قبل الإصلاح الديني أم بعده وبسببه ، وما هو جوهر هذا الإصلاح أليست موافقته ومواءمته وتطويعه ليتبنى ويتقبل ويتعايش مع الثقافة الليبرالية ، نعم بكل تأكيد ( لا حظ أن القيم العقلية العلمية فشلت في التصالح مع الدين الذي بقي أسطوريا وخرافياً بالنسبة لها ) .. وعليه هل تتوقع أن الدين الإسلامي بشكله التقليدي السائد حالياً يمكنه أن يكون ديمقراطياً ، أو أن ينتج الديمقراطية ( هلا زرت إيران وأفغانستان والسعودية والسودان .. ، وحضرت حلقات الوعظ والدعوة ، وسمعت خطباء المساجد وأحاديث الداعيات ووو )
نعم نحن بحاجة إلى حركة إصلاح ديني توفق بين الإسلام والليبرالية ، عندها يمكن قيام حركات سياسية دينية ليبرالية قد تقود العمل السياسي ، لكن مع ضمانات علمانية وديمقراطية كبيرة وغير قابلة للتلاعب . وقبل ذلك لا يمكن اعتبار أي حركة إسلامية حركة ديمقراطية ، فهي تخدع نفسها وتخدع الآخرين ( أقول هذا رغم احترامي الكبير وإيماني بالدين الإسلامي ، وانخراطي في عملية البحث عن سبل الإصلاح الديني الذي صار ضرورياً للحفاظ على الدين والقيم والأخلاق والعقل والصدق والعلم متعايشين معاً ) .
أيضا شيء شبيه بهذا يخص الهوية الوطنية والقومية التي لا يجوز أن يخشى عليها ، لأنها تتكون بشكل طوعي ، وليس بفعل أيديولوجي سياسي ، وتتطور وتتغير بشكل عفوي وطبيعي ، ولا يجوز فرضها بالقوة عبر نظام تثقيفي أيديولوجي مقيت ومكروه لم ينتج عنه سوى الكره لكل عباراته ورموزه ، والرغبة في التخلص منها ، وما تسببه ذلك من أذى لحق بالدعوة القومية و بالقضية الفلسطينية أيضاً ، بعد أن تحولت لقضية مزاودة ، وشماعة تعلق عليها أنظمة الطوارئ والقمع والاستبداد والحكم العسكري والنهب العصبوي ، مبررات سلوكها واستباحتها لحقوق مواطنيها ، أيضاً بعد أن تحولت القضية على يد قادتها إلى قضية إنسانية تخص نمط حياة المشردين واللاجئين أو تكوين سلطة في الأراضي المحتلة ، أو قضية جهادية تحقق غايات ثقافية وروحية ، وليست سياسية- اقتصادية ... فتدني دعم القضية الفلسطينية لم يحدث بسبب الدعوة الليبرالية ، بل قبل ذلك بكثير وعلى يد من يرفعونها كقضية مركزية أولى .
4- إن الشريحة الاجتماعية التي تتنطح لحمل لواء الليبرالية عندنا الآن مختلفة جداً عن المراحل السابقة ، أو عن الزمن النهضوي الأوربي ، فالثقافة الليبرالية بما تلقاه من صدى كبير بين مختلف شرائح المجتمع ، بغض النظر عن التصنيف الطبقي المدرسي الذي تشوه عندنا ( بسبب التبعية ورأسمالية الدولة ) ، ناتج عن عيشنا في هذا المحيط الشمولي ، وبالتالي حاجتنا لجرعة كبيرة من الليبرالية في كل مجال اجتماعي وثقافي وسياسي واقتصادي ، عندها ستكون الديمقراطية هي التعبير السياسي عن الثقافة الليبرالية التي تستعد لأن تحملها شرائح اجتماعية كبيرة، كما حدث في أوروبا الشرقية بعد تحررها ، والتي هي الحامل الاجتماعي الحقيقي للديمقراطية ، وليس فقط مجرد طبقة صناعية وتجارية ضعيفة وتابعة وذات دور مشوش في الحياة السياسية ( شاركت الفساد واستفادت منه ، ولم تعارض ولم تمانع الاستبداد ، ولا قبله الاستعمار ، ولا تحمل لوحدها لا لواء الحرية ، ولا لواء التقدم ، بل كانت في غالب أدوارها أنانية انتهازية ضيقة المصالح منفصلة عن معظم شرائح الشعب ) فنحن نطمح أن تتنطح لتبني التيار الليبرالي هذا قوى اجتماعية تنتمي للطبقات الوسطى والدنيا بعكس ما هو سائد في الفكر السياسي التقليدي المدرسي ، ذلك بسبب ترابط البرجوازية الصناعية الحالية مع نظام الفساد الاحتكاري الشمولي السائد الذي سمح فقط بحرية السرقة والاختلاس والغش والاحتكار والرشوة والتهريب والتسيب .. والمضاد لكل ثقافة وخلق وقيم وإنسانية ، والذي لم يكن ليبرالياً إنتاجيا يبني القيم ويعززها ويرسخ مفهوم الإنسان وحقوقه ،بل اجتماعويا عصبوياً ديمقراطيا شعبياً . طبعاً تمكن بعض المنتجين والتجار الشرفاء من البقاء في ظل نظام الفساد وتمكنوا من أن يشقوا طريقهم بصعوبة لكنهم بقوا معرضين لكل أنواع الاضطهاد والسلب والقمع والتضييق ، وهم يشكلون شريحة اجتماعية واعدة لكنها أبدا لا تملك الكثير من الثروة ، ولن يمكنها بدون التعاون مع الفساد والاستبداد السائد ، فليس كل من يملك الثروة في دولنا هو أوتوماتيكيا ( ليبرالي ) خاصة إذا كان ضابط مخابرات أو ابنه أو شريكه ، ناهيك عن أن الثروة بإجمالها قد تحولت لهم ، على حساب إفقار وتفليس كل منتج وتاجر ورجل أعمال .
إن من يعادي الليبرالية اليوم بالإضافة لقوى الفساد والمرتبطين بها من الطبقة الصناعية التجارية ، هم جموع المنتفعين المتعيشين تحت النظام الشمولي وفي خدمته ( الحامل الاجتماعي المصطنع الذي خلقه النظام الشمولي لتوسيع قاعدته ، والذي يتكون أساسا من متعلمين مفصولين عن الإنتاج والمجتمع ، يشكلون كتلة موظفي الدولة المتضخمة ، ومنتسبي الحزب الحاكم ، وعملاء الأمن معاً و جميعاً ويشكل متزامن ومشترك ) و المستفيدين من فرص الفساد التي تدعم رواتب النظام التي يقدمها لكل ( الطفيليين ) الموظفين الذين لا عمل لهم ولا إنتاج بل فقط الرشوة والاختلاس وتعطيل أعمال الناس واستنزاف الاقتصاد الوطني وتدمير البيئة ، والذين لا ينسون تأكيد ولائهم للشمولية بالخروج للشوارع للتصفيق والرقص وتمجيد الاستبداد .. ويدخلون في حلف مع من يعادون الديمقراطية من رموز الفساد والتسلط وشركائهم وشركاتهم المرتبطة و المتحالفة مع النظام ، الذي ييسر لهم وسائل سرقة ونهب المجتمع والثروة الوطنية وتحويلها لجيوب المدللين المبشرين بالجنة ومن والاهم وشاركهم وخدمهم وتقرب منهم ، أو شبح في رعايتهم .
نعم هناك حلف غير نزيه بين معادي الليبرالية ومعادي الديمقراطية وكل منهما يكمل الآخر ، في حين أنه هناك تحالف قوي بين ضحايا الاستبداد والتعصب والتزمت والعصبوية والطائفية ، وبين المنتجين الحقيقيين الذين يريدون أن يتحرروا من هيمنة السلطة الفاسدة ومن قيودها ، فدعاة الحرية اليوم هم كل الشباب المتمرد على التخلف والعبودية والخنوع والجهل والخرافة ، وكل العمال الذين رماهم نظام الفساد الاشتراكي خارج الحياة والإنتاج ، وكل المهنيين من الطبقة الوسطى الذين ضاقوا ذرعاً بقيود السلطة وسلوكها ، والذين يعيشون مرحلة من الإحباط الحقيقي يجعلهم يطلبون الرحيل دوماً ..
نعم إن الطبقات الاجتماعية التي سوف تدعم التيار الليبرالي الديمقراطي العلماني ( عدل ) هي تيارات شعبية واسعة ومخلصة وعريضة وواعدة ، وهي استمرار لنضوج نزعة التمرد الذي بدأ بطغيان الحركات اليسارية ، والتي بعد أن أثبتت عقمها و فشلها تحول عنها الناس نحو الليبرالية ، وهي تسير في موازاة نزعات التمرد الأخرى التي تتجه نحو الماضي في مسعى للتحرر أيضا من أسر حاضر لا يرضى عنه أحد ، لكن في الاتجاه المعاكس ، والتي هي في طريق الإفلاس لو سمح لها بتجريب مشروعها .
5_ نحن نعول على نجاح الاتجاه الليبرالي في تغيير أرضية التمرد على الواقع اللئيم ، وفي تغيير اتجاه هذا التمرد نحو المستقبل والحرية والتسامح والعلمانية والسلم الاجتماعي والدولي ، وهو الانجاز الذي نطمح لتقديمه للعالم الذي يعاني من ظاهرة التعصب والعنف الأصولي التمردي . وفي هذا الحال لن يهم أن يقودها المنتجون الصناعيون ولا التجار ، فتلك نظرة اقتصادوية سياسوية ميكانيكية متحجرة نمطية ، لم تعد قادرة على فهم المتغيرات التي تعصف بمجتمعات العالم التابع في عصر العولمة . لأن القسم الأهم من هذه الشرائح اغتنت وارتزقت وتشكلت في ظل الفساد والسوق السوداء والتهريب .. وهي غير معنية كثيراً في قيادة مشروع وطني تلتزم به وتلزم نفسها بأهدافه . لذلك تبقى الحوامل الاجتماعية التقليدية للبرامج السياسية حوامل غير متبلورة ، وتبقى السياسات قائمة على الفلسفات أكثر من المصالح الطبقية المتمايزة ، وهو ما سيطبع الحركة الليبرالية التي ندعو إليها ونشرع في التأسيس لها ، والتي لن تكون في أي حال مطية لشرائح طبقية انتهازية ، بل مشروعاً وطنياً شاملاً يعمل بالتناغم والتوافق مع التغيرات العالمية وليس ضدها ولا نقيضها ، ولا يمانع إن طرح ضمنها وبالتوافق معها مشروعاً قومياً أو إقليميا من نوع ما .
وإذا كانت العولمة تعني هروب الرساميل والصناعات وتدني فرص العمل في دول الغرب ، وتدني درجات الضمان فيها ، فهي تعني كسر أسوار التهميش لبلدان العالم التابع ، وإقحامها مباشرة في الاقتصاد _ السياسي العالمي ، وتعني بالنسبة للدول الشمولية دعماً مباشراً من الخارج لعملية التحرر داخلها ، لذلك نحن لا نرى ضيراً ً في التوافق والتلاؤم معها فهي بالنسبة لنا تقدمية ، وإن بدت بالنسبة للغرب أقل اجتماعية وعدالة وأخلاقية .
6- هنا يجب أن لا تعني الليبرالية غياب القانون والضوابط على الغش والاحتكار والتهرب والتهريب والفساد ونقص النزاهة والشفافية .. كما أن القيم الخلقية لا يجب أن تضمحل مع الليبرالية ، وليس هناك ما يربط بشكل حتمي بين التحلل الخلقي والليبرالية ، بل هناك ما يربط بين الاستبداد وشيوع ثقافة التعصب والإجرام . هذا التخوف من الليبرالية يتكون عند من يعتاشون على نمط تقليدي من العادات يرون أنها الشكل الوحيد للشرف والصدق والشهامة والخير والعطاء والالتزام .. ؟ وهم يحافظون على نمط الإنتاج التقليدي ألبطريكي وما ينتج عنه من إقطاع سياسي ، استمر بعد أن استقالت الدولة من معظم مهامها الاجتماعية ، واستمر لأنه الحضن الاجتماعي الوحيد في مواجهة عسف الدولة المستبدة ، التي دمرت كل مؤسسات المجتمع المدني وألغت السياسة . فهل المطلوب الحفاظ على أرضية الإقطاع لكي تستمر أشكال القيم التقليدية ، وهل التخلي عن أشكال قديمة لن يفسح المجال لنمو أشكال جديدة أرقى وأفضل .. وعندما تتغير هذه العادات ألا تتغير الهوية . ولماذا نعاند في تغيير الهوية نحو الأفضل ، ومن له مصلحة بفعل ذلك ..؟
الأخلاق ليست القانون ، الأخلاق هي نظام قيمي داخلي مزروع بالثقافة والتربية والخبرة ، وليس بقوة القمع ولا بنص القانون ، وشرط تكون ( أنا عليا ) مراقبة ، هو وجود الحرية ودرجة من الاستقلال ، فنضوج الذات وتحررها هو شرط تكون ( أنا عليا ) قيمية أخلاقية ، في حين أن القمع والكبت يحبطها ، ولم تنجح أعتا الأنظمة بفرض أخلاقيات ، بل دوما كانت نتيجة القمع هي تدني رهيب فيها ، إن كان قمعاً دينياً ( المطوعين ) أو قمعاً سياسياً ( ألأيديولوجيين ) .
كما أن الدين يقوم على الضمير وليس على عصا الشرطي ، والحرية هي شرط تكون الإيمان ، ومكان عمل الدين هو الضمير والقيم ، ومكان عمل السلطة هو الشرطة والقانون . ولا تعني الليبرالية إنكار الاعتقاد الديني . بل تضمنه ليكون متاحاً بحرية للجميع ، وهذا ما سيعزز دوره بالتأكيد ، إذا عرف كيف يتصالح مع العصر ومع العقل ، فمشكلة الدين ليست في الليبرالية ، بل في تدني سوية المنطق في خطابه ، وعجز ذلك الخطاب عن الإجابة على الأسئلة المحقة وما أكثرها ، ولن تحل هذه المشكلة باستخدام عصا الطاعة لفرض الخنوع الديني .
7- أما التكوين الاقتصادي القومي فقد تجوز عليه الرحمة في زمن العولمة ، ولا يعقل أن نفتعل مؤسسات اقتصادية خاسرة غير قادرة على المنافسة لأسباب أيديولوجية ثقافوية ، كما سبق و بني القطاع العام على شعارات ديماغوجية ، واستمر بها رغم إفلاسه وتحوله إلى عامل استنزاف و عائق في طريق التقدم ومحاربة الفساد ، وكيف نتصور نظاما اقتصاديا اجتماعياً في ظل طغيان ثقافة الفساد ، وما هي الحال الذي سيكون عليه ... نحن بحاجة لدرجة كبيرة من الخصخصة لكي نخفف من تأثير هكذا ثقافة سائدة و مترسخة اليوم بفعل الاشتراكية وكنتيجة لها ، قبل أن تنمو ثقافة أخرى تقوم على العفة والنزاهة واحترام الذات والحق والمال العام والقانون ، يمكنها أن تصون نظام ما من الملكية الجماعية والتشارك الاجتماعي ، لو لزم الأمر في بعض القطاعات .

أخيراً , ولكوني منخرطاً في مشروع تنظيمي سياسي ، ولكوني مثقفاً ( منتجاً للمادة الثقافية والفكرية ) قبل أن أكون سياسياً ، ولم أتنطح للسياسة إلا عندما فقد أهلها ، ولكوني أمينا للحقيقة والقيم أكثر من النفع والمصالح ، وهدفي هو أكبر قدر من الخير العام المسلح بأرقى منظومة من القيم ، لذلك أتمنى التصويب والتوضيح من الجميع . مع الشكر والامتنان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق